وكأنه تعوّد على الكذب حتى أصبح يتنفس زورا، تحدث رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي عقده عقب جولته التفقدية بعدد من المنشآت الصحية بمحافظتي القاهرة والجيزة، عن تجاوز قيمة الاستثمارات المنفذة بوزارة الصحة خلال السنوات العشر بين 2014/ 2015 وحتى 2023/ 2024،الـ180 مليار جنيه، لكن وفقًا لبيانات صادرة عن الموازنة العامة فإنها بلغت نحو 158.3 مليار جنيه.
وبالنظر لموازنة 2013-2014 والتي جاءت الاستثمارات الحكومية المنفذة بوزارة الصحة 3.95 مليار سعر الدولار 7 جنيهات و223-2024 المقدرة بـ 29.3 مليار جنيه سعر الدولار 48 جنيها، نجد أنها ثابته ولم ترتفع.
فضلا عن تلك الأموال المدفوعة جاءت معظمها، على مقاولات الإنشاءات، حيث إن الحقائق على أرض الواقع تكذب تصريحات مدبولي، فالقطاع الصحي يعاني العديد من الكوارث والتي يراها المواطن ويشعر بها رأي العين، فما بين تكدس المرضى واصطفافهم بطوابير سواء لحجز سرير أو الحصول على الأدوية المزمنة والغير متوفرة وما بين الافتقاد للإدارة الجيدة لتلك المنشآت، وبحسب حكومة مدبولي نفسه حيث يرى إن تأجير المستشفيات الحكومية قد يكون سببا لتطورها، في ظل الافتقار لكوادر إدارية، بالإضافة لضعف المرتبات وهجرة الأطباء والكثير من المشاكل والتي سنسردها فيما يلي.
تكدس المرضى ولا يوجد سرائر
على أرض الواقع نجد أن مليارات مصر التي صرفت على القطاع الصحي ذهبت هباءا منثورا، حيث يطالب العديد من المرضى بضرورة وضع حلول جذرية لمشكلة نقص الأسرّة بالمستشفيات والتي ينتج عنها زيادة تكدس المرضى بأقسام الطوارئ والحالات المزمنة، خاصة بالنسبة للحالات التي يرى الأطباء ضرورة علاجها داخل المستشفيات، حيث إنه نظراً لنقص الأسرّة بالإضافة لنقص الأدوية، فإن المرضى يعانون من طول الانتظار، وقد تتأخر مراحل العلاج اللازمة، وربما يموت البعض دون أن يحصل على فرصته في العلاج.
ويرى الخبراء، أن زيادة أعداد السكان لم تتماشى مع زيادة المنشآت الصحية بما يسمح باستيعاب الحالات المرضية بالشكل الأمثل، لافتين إلى أن المستشفيات الجديدة التي تم افتتاحها مؤخراً لم تحل المشكلات التي يعاني منها القطاع وذلك لأنها لم تواكب الزيادة في أعداد السكان .
ويؤكد الخبراء والمتابعون أن مشكلة نقص الأسرّة هي مشكلة مزمنة والجميع يشكو منها وهو أمر مؤسف جداً ولا ينبغي أن يستمر في ظل صرف الميزانيات اللازمة للإنفاق على الرعاية الصحية، بحسب مدبولي رئيس الوزراء وهي على عكس الحقيقة، مطالبين اعتبار الرعاية الصحية من الأولويات في المجتمع، ومن ثم فلابد أن يعي القائمون على المنظومة الصحية كل هذه الاعتبارات والعمل على وضع حلول جذرية لها.
كبار الدولة يُعالجون خارج مصر
وأيضا ما يكذب تصريحات مدبولي بشأن تطور الرعاية الصحية في مصر هي سفر كبار الدولة من الوزراء ورجال الأعمال وحاشيتهم إلى الخارج للعالج، فهم لا يثقون في المستشفيات المصرية ولا في العلاج المصري، وهو ما نسمعه يوميا من سفر فلان وعلان إلى الخارج لتلقي العلاج، وما يبرهن على ذلك هو الذهاب المتكرر لرئيس النادي الأهلي محمود الخطيب لتلقي العلاج في الخارج، فضلا عن موت نائبه الوزير السابق العامري فاروق، وهو يتلقى العلاج بالخارج، وغيرهم.
نقص الأدوية
شيء آخر يطفو على قمة السطح وهو نقص الأدوية واصطفاف المواطنين على صيدليات الإسعاف، واشتكى العديد من المرضى من نقص الأدوية وارتفاع أسعارها حيث إنهم يبحثون عن أدوية ضرورية ومُنقذة للحياة، ويجدون صعوبة كبيرة في توفيرها، بسبب أزمة نقص السيولة من العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي، والتي تستخدم لتمويل صفقات شراء الأدوية من الخارج، سواء لاستيرادها جاهزة للبيع، أو للحصول على المواد الخام ومستلزمات الإنتاج.
ولا تزال تعاني بعض الشركات المنتجة لأدوية مهمة مثل مخفضات الحرارة والمضادات الحيوية بجانب العقاقير الخاصة بمعالجة أمراض مزمنة، كالضغط والقلب والسكري، من عدم توافر الموارد الدولارية لاستيراد المادة الخام، التي تدخل في صناعة هذه الأدوية وتركيبها، وأغلبها يأتي من الخارج بالعملة الصعبة.
الموضوع وصل مجلس نواب الانقلاب، فالنائبة سميرة الجزار قدمت طلب إحاطة إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الصحة بشأن تفاقم أزمة اختفاء الأدوية من الأسواق المصرية وارتفاع أسعارها، ما يعرض الأطفال وكبار السن من أصحاب الأمراض المزمنة إلى خطر الموت.
ضعف إمكانيات المستشفيات
شيء آخر يكذب مدبولي وهي قلة الإمكانيات داخل المستشفيات، حيث إنه من أهم العوائق التي تقف وراء التقييم والتشخيص الخاطيء لآداء الطبيب ما يترتب عنه إعطاء للمرضى علاج غير مناسب، ما يسبب تدهور الحالة الصحية للمريض وفي أحيان كثيرة تؤدي للوفاة، فالطبيب يتعامل للتشخصي في ظل نقص كبير في المعامل والأجهزة وعند بعث العينات لمستشفيات قريبة، قد يتسبب ذلك في وفاة المريض الذي يحتاج للتشخيص السريع.
غياب الأطقم الطبية ونقصها وضعف المرتبات
تعتبر أحد أكثر الشكاوى التي يعاني منها المرضى، وهو ما يكذب إدعاءات مدبولي، حيث إن الصحف المحلية يوميا تنشر خبر عن قيام أحد المسئولين بالتفتيش على المستشفيات وخاصة في المراكز والقرى، ليجد أنه لا يوجد بتلك المراكز الطبية دكتور أو ممرض، وذلك لانشغالهم بالعمل في المستشفيات الخاصة، أو العيادات، نظرا لضعف المرتبات وساعات العمل الغير آدمية لهم ما يترتب على ذلك القيام بتركهم ساعات كثيرة من عملهم.
هجرة الأطباء
إن فرار العديد من الأطباء المصريين من جحيم العمل في المستشفيات الحكومية لهو خير دليل على انهيار المنظومة الصحية، وتعددت الأسباب المختلفة لهجرة الأطباء من مصر، أبرزها البحث عن درجة علمية معترف بها عالمياً، خاصة أن الشهادة المصرية لم يعد لها نفس القبول القديم في دول العالم، لا سيما دول الخليج العربي.
إلى جانب السبب العلمي، هناك أسباب أخرى مثل الاعتداء على الأطباء داخل المستشفيات بجانب ضعف المرتبات، وكثرة ساعات العمل، إذ تصل مدة عمل بعض الأطباء لنحو 24 ساعة كاملة، بجانب ضغط الحالات، إذ يستقبل بعض الأطباء خلال ساعات عملهم أكثر من 200 حالة، وهي أعداد تفوق قدرة البشر على العمل والتركيز.
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد صرح، إنه على مدار السنوات العشر الماضية تم تنفيذ 1220 مشروعا جديدا في قطاع الصحة باستثمارات تجاوزت 180 مليار جنيه، لإنشاء مستشفيات ومراكز جديدة، مضيفا أن السنتين الماضيتين شهدتا تنفيذ 24 مشروعاً بتكلفة حوالي 8 مليارات جنيه، ضمت مستشفيات جديدة تم افتتاحها وتشغيلها، وهومالم يشعر المواطن المصري على أرض الوقاع بتلك الإنجازات المزيفة.