آثارت التصريحات غير المسئولة التي أدلى بها كامل الوزير وزير الصناعة والنقل الانقلابي، حول طريقة تعامل حكومة الانقلاب مع أزمة المصانع المتعثرة، والتي يتجاوز عددها الـ 12 ألف مصنع انتقادات الخبراء، مؤكدين أنها تكشف عن حاجة نظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي للأموال، والتي يحاول الحصول عليها عبر السطو والنهب والمصادرات.
وحذر الخبراء من أن هذه الأساليب ستؤدي إلى هروب رجال الأعمال والمستثمرين بأموالهم إلى الخارج، ما يهدد بانهيار الاقتصاد المصري.
كان الوزير الانقلابي قد هدد بسحب المصانع المغلقة ، ومنحها لمستثمرين آخرين، ما آثار التخوفات من إقدام نظام الانقلاب على تأميم تلك المصانع وبيعها للعرب والأجانب لحل الأزمة المالية التي يعاني منها.
وقال الوزير أمام مجلس نواب السيسي: إن “هناك نحو 12 ألف مصنع متعثر، تتوزع بين 5790 مصنعا تم إنشاؤها، و5500 مصنع متعثر تحت الإنشاء”.
وأضاف: لن نترك مصنعا مغلقا، سنسحبه من صاحبه، وتتم إتاحته لمستثمر آخر جاد، لتعظيم الإنتاج وحتى لا يتم إهدار أصول الدولة وفق تعبيره .
سمسار
من جانبه، قال الدكتور عمرو عادل رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري: “النظام الحالي ليس له أفكار ولا تصورات كلية حول كل الملفات؛ فهو لا يمتلك أي توجهات اقتصادية واضحة ولا رؤية لأمن مصر القومي، ولا يمتلك مفهوم للعدالة الاجتماعية”.
أضاف عادل في تصريحات صحفية، هو نظام يعمل بعقلية السمسار والتاجر قليل العلم مع قدر عال من قوة السلطة الجاهلة الهوجاء؛ ولذلك تخرج مثل هذه التصريحات التي نراها كارثية ولكنها متسقة مع عقلية النظام الحالي.
وأوضح أن نظام عبد الناصر، قام بالتأميم، في إطار رؤية اقتصادية قد تكون خطأ، ولكن كان هناك تصور كلي عند النظام؛ وما يحدث الآن وما حدث مع من سبق ليس تأميما اقتصاديا، ولكنه استيلاء على ثروات الشعب بقوة السلاح والسلطة.
وشدد عادل على أن الخلل الذي يعاني منه المجتمع المصري لن يُحل بمثل هذه الطريقة؛ فهو يحتاج إلى صناعة مجالات ومناخ استثماري وتعليم جيد وتشجيع الصناعات الصغيرة والملكيات الزراعية الصغيرة في منظومة تمتلك الشرف والرغبة في إنقاذ مصر، وهذا غير متوفر حاليا.
وأكد أن النظام بهذه العقلية يريد المال، والمال موجود في الخليج الذي لم يعد يعطيه المال مجانا؛ فالحل أن يبيع كل ما تقع يده عليه، ولا يهم ملك من أو من سيتضرر مضيفا : تبقى التشنجات الوطنية وهيستيريا عصمة المؤسسة العسكرية خط الدفاع الدائم والكارت الرابح ضد أي معترض على بيع مصر جملة وأجزاء.
غير سياسي
وقال الكاتب والباحث محمد فخري: “نحن أمام سيناريوهين، أولهما أننا أمام تصريحات غير مسؤولة سياسيا وغير مقصودة، وقد اعتدنا على تلك النوعية من التصريحات لكامل الوزير”.
ولفت فخري في تصريحات صحفية إلى أن الوزير له الكثير من التصريحات التي تفتقد للحس السياسي، وأحيانا للمنطق، فإذا كان هذا التصريح ينتمي لتلك التصريحات العنترية فلا غضاضة، فقد فقد الرجل مصداقيته ولم يعد يبالي المواطنون بزيف تصريحاته.
وأوضح أن السيناريو الثاني، والذي يخشى منه البعض أن يكون هذا التصريح مقدمة لعمليات استيلاء على مصانع وممتلكات رجال الأعمال، كما حدث في العشرية الأخيرة.
وأضاف فخري، لكن ما حدث مع أكثر من رجل أعمال مؤخرا لا يرقى لقرارات التأميم الناصرية رغم اختلافنا معها، فهي أقرب لحوادث السطو والفساد السلطوي، لافتا إلى أنه يميل إلى السيناريو الأول، وهو أننا أمام تصريح غير سياسي وغير موفق، ولا يمكن تطبيقه.
محاولة يائسة
وقال خبير الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير: إن “ما يفعله نظام السيسي، هو تكرار للأساليب الاستبدادية التي اعتمدتها الأنظمة العسكرية التي حكمت مصر في الماضي، مثل عبد الناصر”.
وأضاف المنير في تصريحات صحفية، لكن مع فارق جوهري؛ فالسيسي لا يملك حتى الأيديولوجية الاشتراكية التي تبرر مثل هذه الممارسات، بل يعتمد على خليط من السياسات القمعية والنيوليبرالية الفاشلة التي تدمر الاقتصاد المصري وتضيق الخناق على القطاع الخاص، موضحا أن السيسي يعيد تجربة عبد الناصر، ويتبع نفس خطواته، لكن هذه المرة تحت ستار تعظيم الإنتاج والحفاظ على أصول الدولة.
وأكد أن حديث الوزير الانقلابي عن الاستيلاء على المصانع المغلقة وسحبها من أصحابها، هو إعادة إنتاج لسياسات التأميم التي اعتمدها ناصر، والتي أفضت إلى نتائج كارثية على الاقتصاد المصري.
وأوضح المنير أن الفرق هذه المرة هو أن النظام لا يهدف إلى العدالة الاجتماعية أو المساواة، بل إلى تعزيز سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد، وتهميش أي دور للقطاع الخاص المستقل.
وحول ما يثار عن أن حاجة السيسي للمال قد تكون من دوافع السطو على الملكيات الخاصة، شدد على أن النظام يعاني من أزمة مالية خانقة، حيث وصل الدين الخارجي لمصر إلى 160.6 مليار دولار بالإضافة إلى وجود عجز في الميزان التجاري يبلغ نحو 42 مليار دولار، ما يفاقم الأزمة الاقتصادية .
ولفت المنير إلى أنه في ظل هذه الظروف، فإن السيسي ليس أمامه إلا اللجوء إلى سياسات تعسفية كتلك التي أعلن عنها الوزير الانقلابي، فهو في حاجة ماسة للمال بأي وسيلة كانت.
وأضاف: بالنظر إلى أن الاقتصاد العسكري يسيطر على نحو 60 بالمئة من الأنشطة الاقتصادية في مصر، فإن هذا السعي نحو الاستيلاء على المصانع والشركات لا يعد إلا محاولة يائسة لاستنزاف القطاع الخاص وزيادة سيطرة الجيش على القطاعات الإنتاجية، ما يهدد بخلق طبقة من المستثمرين المرتبطين بالنظام وتهميش الآخرين الذين لا ينصاعون لأوامره.
وتابع المنير: السيسي يتحدث عن حماية الاستثمارات الأجنبية، سواء السعودية أو الألمانية، في محاولة واضحة لتهدئة المستثمرين الخارجيين وجذب المزيد من التمويل، لكنه في الوقت نفسه يهدد المستثمرين المحليين بالإجراءات القمعية، مؤكدا أن هذه الازدواجية في المعاملة تدل على ضعف النظام وعجزه عن خلق بيئة استثمارية حقيقية تعزز الثقة.
رأس المال المصري
ولفت إلى أن التضخم بلغ معدلات قياسية تتجاوز الـ37 بالمئة عام 2023، وانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 50 بالمئة منذ بداية الأزمة الاقتصادية، مما يجعل أي وعود بتأمين الاستثمار الأجنبي تبدو غير واقعية في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الكارثية.
وعن هروب رأس المال المصري أكد المنير أن رجال الأعمال المصريين لم يعودوا يشعرون بالأمان في ظل نظام لا يحترم الملكية الخاصة، والأرقام تكشف أن الاستثمارات الخاصة تتراجع بشكل حاد، بينما نشهد تزايدا في هجرة رأس المال المصري إلى دول أخرى مثل السعودية والإمارات وحتى دول (الأوفشور).
وأوضح أن حجم الاستثمارات المصرية في الخارج بلغ أكثر من 8 مليارات دولار في عام 2023، وهو ما يعكس خوف المستثمرين من فقدان أصولهم نتيجة للسياسات القمعية التي يتبعها النظام، والهجرة الاقتصادية ليست فقط هروبا من التضييق الاقتصادي، بل هي مؤشر واضح على فشل السياسات الاقتصادية للسيسي.
وحذر المنير من أن السيسي يعيد إنتاج نموذج استبدادي يسعى من خلاله إلى السطو على مقدرات الشعب المصري لحساب المؤسسة العسكرية ورجال الأعمال المرتبطين به، موضحا أن السياسات الاقتصادية الفاشلة والقرارات التي تضر بالقطاع الخاص، مثل تهديدات كامل الوزير، تؤكد أن النظام في حالة إفلاس حقيقي، وهو مستعد للتضحية بكل شيء، من أجل استمراريته.