لماذا نفخر بالشقيقة الكبرى … غزّة؟

- ‎فيمقالات

كلّ العرب مدينون لغزّة، هي صاحبة الفضل على الجميع، حكّامًا ومحكومين. ومن ثمّ، إنّ ادّعاء أيّة جهة أنّها صاحبة أيادٍ بيضاء على الشعب الفلسطيني المقاوم الصامد الصابر في غزّة هو من قبيل الدعاية السياسية الكاذبة.

أكثر من 45 يومًا، وغزّة تخوض وحدها معركة الكرامة العربية في مواجهة كلّ أشرار العالم الأقوياء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، ثمّ توابعها الأوروبيين والعرب كذلك، الذين لا يستطيع أيّ نظام منهم أن يزعم إنّه طرف في المعركة، بل أقصى ما يمكن أن يتحدّث به هو الوساطة بين العدو الدائم لهذه الأمة والمقاومة الفلسطينية، وليس أوضح دليلًا على ذلك من أنّ القمة العربية التي انعقدت بعد خمسة أسابيع من العدوان الإسرائيلي على غزّة لم تجرؤ على ذكر كلمة المقاومة، وبالتالي، لم تدافع عن حقّ الشعب الفلسطيني في المقاومة، التي كانت البادئة بافتتاح المعركة هذه المرّة، وهي البداية التي ندّدت بها ودانتها دول عربية كثيرة يفترض أنّها شقيقة.

صرخات الأمّهات الثكالى وهتافات الرجال المقهورين فوق أنقاض بنايات غزّة، وأمام مئات الجثث التي لا تجد مكانًا للدفن، تنطق كلّها بحقيقة واحدة: العرب الرسميون ماتوا، أو ناموا، أو صهينوا على الدم الفلسطيني، فيما تشتعل الشعوب غضبًا وهتافًا ضد المتخاذلين والمتواطئين.

إذن، وبينما هدنة الأيام الخمسة في إطار صفقة تبادل الأسرى قاب قوسين أو أدنى من السريان، يمكن القول، بفخر واعتزاز، إنّ غزة بقيت رافعة الرأس ثابتةً كالجبال، على الرغم من أكثر من 12 ألف شهيد نصفُهم تقريبًا من الأطفال. ورغم الهدم والدمار الذي لحق معظم مبانيها، ذلك كله لا يحجب حقيقة ساطعة: غزّة قاومت واستبسلت وأسقطت كلّ خطط العدوان الأميركي الإسرائيلي، فلا هي تخلّت عن مقاوميها البواسل أو دفعها الألم لتتبرّأ من مقاومتها، ولا هي استسلمت واندفعت لتقفز خارج خريطتها، خريطة فلسطين، كما أنّها، وهذا هو الأهم، لم تتوقف عن تعليم البشرية كلّها كيف تكون الجندية الحقيقية، وكيف يكون المعنى الحقيقي للوطن.

 لم تفعل غزّة هذا وحده، بل كما في كلّ معاركها، أنجزت ما أسمّيها “إعادة إعمار الروح العربية”، وإعادة الوجدان السليم إلى نظافته ونقائه، واستعادة تلك الفطرة السوّية التي يولد عليها الإنسان، العربي وغير العربي، هذه الفطرة التي تجعله ينحاز للحقّ ضد الباطل، يقف مع العدل ضد العدوان، ويدافع عن الحرية ضد الطغيان، ويرى المقاومة حقًا أصيلًا وليست إرهابًا.

 لم تتصدّ غزّة للعدوان الهمجي بكلّ أنواع الأسلحة فقط، بل أحبطت كذلك مشروع تدمير الوعي الشعبي بالقضية، فعادت المعاني والقيم النبيلة تُشرق وتتألّق على وجوه الأطفال، وتطمئننا على أنّ الأجيال العربية التي ولدت في عصور الظلام الروحي، وجاءت إلى الدنيا لتجد أعلام العدوّ في عواصمها، هذه الأجيال لم تتشرّب سموم التطبيع، ولم تتكيّف مع منتجاته التي تحاصرها في مناهج التعليم وبرامج الإعلام والإنتاج الدرامي، وحافظت على فطرتها السليمة، ومن دون أن يلقّنها أحد، وجدناها تهتف مثل أجدادها من جيل الستينيات والسبعينيات: فلسطين عربية رغم أنف الصهيونية.

لم تتوقّف الحرب الصهيونية بعد، لكن ذلك لا يمنع من القول: نعم، انتصرت غزّة على كلّ الذين تربّصوا بها، وسترت أشقاءها الذين خذلوها، وأوقفت اندفاع النظام العربي نحو الانتحار، تارّة بتعاطي صفقة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب قبل سنوات، وأخرى بابتلاع صفقة الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، التي خرجت إلى النور قبل اندلاع طوفان الأقصى بأيام معدودات.

انتصرت غزّة، وصار لها محبّون بمئات الملايين في العالم، هتفوا وما زالوا يهتفون: عاشت فلسطين وسقط كلّ أوغاد العالم. … شكرًا غزّة الشقيقة الأكبر لعدد هائل من الصغار والمتصاغرين.