في الذكرى الـ14 على ثورة 25 يناير ، ، تشهد مصر فى ظل حكومات الانقلاب المتتالية منذ الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسى وقيادة المنقلب السفيه السيسى أزمة اقتصادية خانقة تعصف بمعيشة المواطن، مع ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وانهيار قيمة الجنيه المصري وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتدهور غير مسبوق فى الحريات ،حيث بلغ عدد المعتقلين 60ألف معتقل، و18 ألف مواطن تعرضوا للإخفاء القسري، كما يعاني المجال السياسي من حالة اختناق غير مسبوقة، مع استمرار السلطة في إغلاق المجال العام وإحكام قبضتها على الإعلام والنشاط السياسي.
معتقلون سياسيون والحريات
وتتزايد المطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإطلاق الحريات السياسية، إلا أن السلطة تبدو ماضية في تعزيز هيمنتها من خلال تشكيل كيان حزبي جديد يسعى إلى الاستحواذ على الأغلبية البرلمانية، برعاية ما يسمى باتحاد القبائل الذي يقوده البلطجى المقرب من السفاح السيسى إبراهيم العرجاني. وتأتي هذه الخطوة، وسط حديث متزايد عن تعديل مرتقب للدستور لتمكين المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي من البقاء في السلطة بعد انتهاء ولايته الثالثة في 2030، مما يثير قلقاً واسعاً حول مستقبل الديمقراطية في البلاد. منذ ثورة 25 يناير 2011 تُظهر السلطة حساسية بالغة تجاه الحدث ورمزيته، ولم تتوقف عن وصف الثورة بأنها كانت السبب في “خراب البلد”، وهو التعبير الذي يتكرر على لسان السيسي.
ويتم تصوير ثورة 25 يناير في الخطاب الرسمي سببا رئيسيا للأزمات التي تعاني منها البلاد، بدءاً من الأزمة الاقتصادية إلى ضياع حقوق مصر في مياه النيل. يُستخدم هذا الخطاب وسيلةً لتحذير الشعب من أي محاولات مماثلة للتحرك أو التغيير، مع الترويج لفكرة أن ثورة 25 يناير أدت إلى الفوضى وتهديد استقرار الدولة. وتعمل السلطة بشكل ممنهج على محو رمزية الثورة من الوعي الجمعي، من خلال تضييق الخناق على الاحتفاء بها في الفضاء العام، وتشويه صورتها في الإعلام الرسمي.
كما يتم تقديم ثورة 25 يناير دائماً بوصفها عبرة لتحذير المواطنين من عواقب التحركات الجماهيرية، مع التأكيد على أن أي محاولة للتغيير ستؤدي إلى الفوضى والانهيار. هذه الاستراتيجية تهدف إلى ترسيخ الاستقرار القائم خيارا وحيدا، مع تجاهل المطالب الشعبية التي كانت جوهر الثورة.
في السياق، يقول مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف البيومي إنه “مع إطلاق سراح السجناء في سورية وفتح صفحة جديدة بملف حقوق الإنسان هناك، تصدّر المشهد الحقوقي المصري باعتباره الأسوأ في منطقة الشرق الأوسط، وذلك وفقاً للأعداد التي تم رصدها من قبل المؤسسات الحقوقية. ففي مصر الآن أكثر من 60 ألف معتقل، و18 ألف مواطن تعرضوا للإخفاء القسري، فضلاً عن مئات أحكام الإعدام وظروف احتجاز سيئة للغاية في السجون”.
ويضيف البيومي: “أصبح موقف الحكومة المصرية سيئاً جداً، ولن تفلح المحاولات الدبلوماسية في تحسين الصورة ما لم تقترن بإجراءات وقرارات فعلية تمثل حلاً جذرياً لملف المعتقلين في مصر. وزاد الموقف سوءاً دور الحكومة المصرية في توقيف المعارض والشاعر عبد الرحمن يوسف وما ترتب على ذلك من آثار، أهمها تسليمه لدولة الإمارات”. ويشير البيومي إلى أن “الأوراق المقدمة من الحكومة المصرية ضمن المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، تتضمن عبارات فضفاضة وأقوالاً مرسلة. لم نجد للاستراتيجية الوطنية أو لجان العفو والحوار صدى ملموساً في مجال حقوق الإنسان، وأصبحت أقرب للصورية منها إلى الفعلية”.
على المستوى الإقليمي، تواجه مصر مشهداً معقداً يشمل العديد من الأزمات والتحديات. ويظل الوضع في قطاع غزة على رأس الأولويات، إذ تؤثر تداعيات الحرب العدوانية الإسرائيلية على القطاع، بشكل مباشر على الأمن القومي المصري. وفي سورية، يثير الوضع مخاوف القاهرة من انتقال عدوى الثورة إلى مصر. وفي البحر الأحمر، تتزايد الهجمات على السفن، مما يشكل تهديداً خطيراً للملاحة في قناة السويس، الشريان الاقتصادي الرئيسي لمصر. وتتزامن هذه التهديدات مع التوترات في القرن الأفريقي، حيث تتصارع القوى الإقليمية والدولية على النفوذ في الصومال وجيبوتي، مما يزيد من التحديات أمام السياسة الخارجية المصرية. كما أن أزمة مياه النيل تظل قضية وجودية، مع استمرار التعنت الإثيوبي بشأن سد النهضة وعدم الوصول إلى اتفاق ملزم بشأن تشغيله.
تحولات ما بعد ثورة 25 يناير
في ظل التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة منذ ثورة 25 يناير 2011، يرى سياسيون أن الحاجة تبدو ملحة لإعادة النظر في الأولويات الوطنية، والبحث عن حلول حقيقية للأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إذ يتطلب ذلك حواراً وطنياً جاداً يضم جميع الأطراف، وإجراءات عاجلة لاستعادة الثقة بين الدولة والمجتمع. كما أن تعزيز الدور المصري على المستوى الإقليمي يتطلب رؤية واضحة وسياسات فعالة تمكن البلاد من مواجهة التحديات المتشابكة. وفي تعليقه على الأوضاع الراهنة، يلفت أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، في تصريحات صحفية “، إلى أن مصر تواجه تحديات مركبة تجمع بين الأزمات الاقتصادية والتوترات الإقليمية. ويوضح أنه “مع ارتفاع معدلات التضخم وهبوط قيمة الجنيه، تتزايد الضغوط على النظام. هذه الضغوط تتزامن مع تغيرات إقليمية مهمة، مثل عودة سورية إلى الساحة السياسية وسقوط نظام بشار الأسد إشارة رمزية للمعارضة المصرية، مما يعيد الأمل للبعض بقدرة الشعوب على التغيير”.
ويوضح صادق أن السلطة المصرية “تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي، سواء من الولايات المتحدة التي قدمت صفقة أسلحة كبيرة، أو من الاتحاد الأوروبي والإمارات، مما يضمن استقرارها نسبياً على المدى القريب”. ويرى أن “الواقع هو أن المعارضة على الأرض ضعيفة، لكن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بات كبيراً في تشكيل الرأي العام. وهذا الأمر يقلق النظام بشكل واضح، خصوصاً مع تداول صور القصور الرئاسية في العاصمة الإدارية الجديدة، التي تثير استياءً شعبياً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة”.
ويضيف صادق أن “الحكومة تكرر اتخاذ إجراءات أمنية مكثفة قبل ذكرى الثورة، لكن هذا العام تبدو الأوضاع أكثر توتراً بسبب الأزمات الاقتصادية والإقليمية. رغم ذلك، فإن احتمالات اندلاع ثورة جديدة تظل ضعيفة بسبب غياب الدعم الدولي للمعارضة واستمرار النظام في تلقي المساندة الخارجية”.