كتب: سيد توكل
تفاءلت جماعة الإخوان باسمه، فكان يقال إن الجماعة في عهد مؤسسها حسن البنا بنت، وفي عهد مرشدها الثالث التلمساني تلمست الطريق، وفي عهده ستنتصر. محمد حامد أبوالنصر هو الرجل الذي كرّس دخول جماعة الإخوان المسلمين مجلس الشعب لأول مرة في تاريخ الجماعة، وترسخ وجود رموزها وتغلغلهم في العديد من النقابات المهنية، ونوادي التدريس الجامعية والجمعيات الأهلية.
ولد محمد حامد أبوالنصر، في 25 مارس 1913، في منفلوط التابعة لمحافظة أسيوط في مصر، وتنتمي أسرته إلى الشيخ علي أحمد أبوالنصر أحد رواد الحركة الأدبية في مصر، وقد وُلد من أب مصري وأم سعودية، ومات والده وهو طفلٌ صغير، وتولَّت الأم تربية وحيدها تربيةً جادةً، وهيَّأته ليكون ندًّا لعائلة الطرزي، وهي عائلة وفدية كانت تسيطر وتهيمن على بلده منفلوط وما حولها.
وحصل على البكالوريا، وثقَّف نفسه بالقراءة وممارسة التعامل مع المجتمع المحيط، فأفرزت هذه التجارب شخصية صقلتها التجربة والمعرفة، وعلمتها الأحداث كيف تواجه الصعاب.
احتدم الصراع بينه وبين عائلة الطرزي، عندما عزم الإمام الشهيد حسن البنا زيارة منفلوط (وكان من شأنه ودأبه إذا عزم على زيارة أي مكان أن يَلِجَهُ من خلال الشخصية المحترمة التي تتسم بالوقار والالتزام، فالتقى السيد أبوالنصر وبايعه على العمل في مظلة جماعة الإخوان، وظلَّ على عهده حتى لقي الله.
وقد ظلَّ على عهده مع الإمام الشهيد، وتدرَّج في سُلم الجماعة حتى أصبح عضوًا بمكتب الإرشاد قبل أحداث 1954م.
وقد حاول جمال عبدالناصر حينما احتدم الصراع بينه وبين الجماعة، أن يستميله إلى جانبه، مذكرًا إياه بأنهما من أبناء محافظة واحدة، تعمّهم وشيجة أبناء الصعيد، ولكن خاب أمل عبدالناصر عندما أبى الأستاذ أبوالنصر أن يجاريه، فتوعده.
مهابة أعيان الصعيد
وعنه يقول د.رشاد محمد البيومي: "طوال سنين عشتها معه عرفته عن قرب؛ فبعد أن رحلت من سجن أسيوط إلى سجن المحاريق، سكنت معه في زنزانة واحدة كانت تجمع إخوان الصعيد، وكان على رأسهم الأستاذ الكبير المرحوم أحمد شريت، والأخ طه أبوالليل، والأخ حلمي بخيت، والدكتور يحيى عبدالغفور، وآخرون".
مضيفا "كانت تظله مهابة أعيان الصعيد.. فقد أُوتي بسطةً في الجسم؛ قامة عالية معنًى ومبنًى.. ينم وجهه بنظراته الصارمة عن الاعتزاز بالنفس والترفع عن الدنايا.. ورغم ذلك فقد كان رقيق الإحساس لدرجة غير مسبوقة.. فإذا فتحت أبواب قلبه تحسُّ الأنس والمودة والأبوة الصادقة.. وفي كل لحظةٍ تستشعر منه الولاء الصادق العريق لدعوته وجماعته.. ولا غرو فهو أحد الأربعة من مكتب الإرشاد الذين وهبوا حياتهم لدين الله، فلم تفتر همتهم ولم تهتز عزيمتهم، وكانوا قدوةً صادقةً صالحةً لإخوانهم في التجرد وإنكار الذات والثبات على الحق".
وتابع "وعرفته جنديًّا شديد الالتزام عندما يستدعيه الأستاذ الكبير المرحوم عبدالعزيز عطية، فيلبي مسرعًا سامعًا مطيعًا تعبدًا لله في بساطةٍ ووضوح. عرفته قائدًا ساس السفينة برغم الأنواء التي واجهته بكل ثباتٍ وصرامة وحزم".
في السجن
قبض على حامد أبوالنصر مع زملائه من مكتب الإرشاد وغيرهم من أفراد الجماعة عام 1954، عند اصطدام الثورة المصرية بالإخوان المسلمين، وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة. وظل في المعتقل حتى خرج في عهد الرئيس محمد أنور السادات.
وكان يدير أعماله الواسعة، وهو في داخل السجن، إذ كان سكرتيره الخاص يحضر إليه في فترات منتظمة عارضًا عليه حساباته وأعماله، ولا ننسى موسم الرمان الذي تشتهر به منفلوط، فقد كانت الزيارة محملة بكميات كبيرة منه تكفي الجميع في السجن.
وقد رزقه الله بثلاثة أبناء، وكان مختلفًا مع والده يطالبه دائمًا بالتنازل والتأييد، وكان في آخر أيامه رئيسًا لنيابة سوهاج.. وقد حاول أن يدفن والده في منفلوط، ولكن كانت وصية الأستاذ أبوالنصر أن يُدفن مع إخوانه المرشدين، وقد تمَّ له ذلك.
بعد خروجه من المعتقل، عاود نشاطه الدعوي في جماعة الإخوان، فاختير مرشدا عاما للإخوان بعد وفاة الأستاذ عمر التلمساني في سنة 1986.
في فترة توليه مرشدا للجماعة، دخل أكبر عدد من الإخوان في مجلس الشعب المصري، وشهدت الجماعة نموًا مطردًا.
وتوفى محمد حامد أبوالنصر عام 1996م عن عمر ناهز 83 عاما، ومن مؤلفاته حقيقة الخلاف بين "الإخوان المسلمين" وعبدالناصر.